النفايات
الصلبة
في قطاع غزة. .. ثروة مهدورة
بقلم: م. رامي روحي سالم
لم تكن التحذيرات التي أطلقها
منسق الشئون الإنسانية بالأمم المتحدة
"ماكسويل جيلارد" بالأمر المفاجئ أو الغريب على أكثر من مليون و نصف
غزّي يسكنون في تلك البقعة من العالم. هذه التحذيرات بنيت على دراسة تابعة للأمم
المتحدة صدرت في شهر أغسطس 2012 و أشارت إلى أن قطاع غزة لن يكون "ملائماً
للحياة" بحلول عام 2020. فقطاع غزة يعاني من مشكلات كثيرة منذ أكثر من عقد من
الزمان مع بدء الانتفاضة الثانية عام 2001 و ما تلاه من حصار خانق بعد فوز حركة
المقاومة الإسلامية حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006.
في أيامنا هذه و مع وصول أول
سفينة فضائية لكوكب المريخ، ما زال قطاع غزة يعاني الكثير من المشاكل البيئية بسبب
الوضع السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي، التنظيمي ، و التقني السائد في مدن القطاع.
خلال الأسطر القادمة، سأصطحبكم لكي نلقي الضوء على إحدى المشاكل التي نعيشها منذ
عقود من الزمان. و قبل البدء أريد أن أوضح بأني لا أملك العصا السحرية لتغيير
الحال بين عشية و ضحاها و لست بالدبلوماسي لأقوم بإلقاء التهم على جهة معينة أو
فرد بعينه ولكن المقصد هو إلقاء الضوء على هذه القضية عسى أن تصل رسالتي كمواطن
لأصحاب القرار.
يعاني قطاع غزة من مشكلة متفاقمة
في ادارة النفايات الصلبة، نتيجة لوصول مكبات النفايات إلى الحد الاستيعابي
الأقصى، و غياب الاهتمام من قبل الجهات المعنية على العمل لحل الأزمة. ففي عام
2010، قدرت وزارة التخطيط كمية النفايات التي نتجت من قطاع غزة ب 1300 طن/يومياً على أن تتضاعف هذه الكمية لتصل إلى 2350 طن/يومياً بعد عشرين عاماً. فهذه الأرقام، مصحوبة بتصريحات السيد
"ماكسويل جيلارد" بأن عدد السكان في قطاع غزة سيزيد إلى 2.1 مليون في عام
2020، جعلت من الأهمية أن أتطرق لهذا الموضوع و نطرحه على الطاولة للنقاش.
فالمشكلة كبيرة و أسبابها عديدة و لكن و
من باب الانصاف يجدر القول أن إدارة المخلفات الصلبة قد شهدت تحسنا ملحوظا في
السنوات الأخيرة بفضل المشاريع الدولية التي نفذت في هذا المجال و الشعور بخطورة
ما وصل إليه الحال في مناطق القطاع المختلفة.
أسباب وجود هذه المشكلة:
و في بداية الحديث عن حلول قد
تساعد على التخفيف من هذه المشكلة المتفاقمة، يجدر بنا أن ندرس الأسباب التي أحدثت
هذه القضية . فمن خلال البحث و التدقيق، توصلت إلى أن الأسباب هي كالتالي:
أولاً: عدم كفاءة النظام الحالي
بسبب غياب الدراسات التفصيلية و عدم وجود الرؤية الموحدة بين الجهات المعنية بإدارة
الملف. فعلي سبيل المثال، قانون البيئة رقم (7) لعام 1999 غير مطبق حتى الآن مما
يفقد الجهات المختصة السلطة و القوة
لفرض سيطرتها من أجل تحسين الوضع العام.
ثانياً: الزيادة المفرطة في عدد
السكان في القطاع مصحوباً بزيادة كميات المخلفات و عدم وجود الأماكن المناسبة لطمر
المخلفات بطرق سليمة.
ثالثاً: عدم إدراك عامة الشعب
بحساسية الموضوع و ضرورة التعاون مع الجهات المختصة لحل الأزمة. مما سبق، يمكن أن نستنتج الآلية التي أرى أنها
قد تساعد على أن تغير الحال الحالي.
أولى هذه الخطوات هي توفر سياسة
و رؤية موحدة ما بين كل الجهات الحكومية
المعنية في هذا الشأن بالإضافة إلى البلديات من أجل وضع خطة شاملة تعمل على تحسين
الوضع العام لنظام إدارة النفايات الصلبة في قطاع غزة.
هذا المبدأ لابد أن يقوم أساساً
على نموذج 3R الأكثر اتباعاً في أيامنا هذه و يشمل ثلاث مقترحات
لإدارة الأزمة بطريقة صحيحة و هي (تقليل كمية النفايات الناتجة Reduce
، إعادة استخدام Reuse،
إعادة التدوير Recycle)
و فيما يلي توضيح لهذه الخطوات:
أولا: تقليل النفايات Reduce
بالغالب تزيد كمية النفايات
الناتجة من أي مجتمع بزيادة عدد أفراده. فخلال السنوات الماضية، شهدت الكميات
الناتجة ارتفاعاً ملحوظاً دون إدراك عامة الشعب لخطورة الأزمة. و لهذا وجب علينا
أن نركز على هذه القضية و نعمل على تغيير ما بأنفس الناس و دعوتهم أن يكونوا على
قدر المسئولية و أن يقوموا بدورهم في هذا الملف عن طريق العمل على تقليل المخلفات
الصادرة من منازلهم. كما أنه يجب على البلديات إعداد برامج خاصة لإدارة النفايات
الصلبة للقطاع التجاري وفرض قيود على أصحاب الأعمال للتقليل من كميات المخلفات
الناتجة من أنشطتهم التجارية.
ثانيا: إعادة الاستخدام Reuse
إعادة استخدام المخلفات ليس حل
لمشكلة المخلفات و حسب، بل إنه من الأمور التي قد تدفع العجلة الاقتصادية إلى
الأمام من خلال تقليص ميزانية شراء المواد
الخام لبعض الصناعات, و زيادة رأس المال لصناعات
الأخرى. فمن خلال هذه الطريقة، يمكن لأصحاب الصناعات بيع كل ما يزيد عن أنشطتهم
التجارية لجهات أخرى و جني دخل إضافي للمؤسسة التجارية.
و كمثال آخر، يمكن لهذا المبدأ
أن يستخدم كأداة للعديد من المؤسسات غير الربحية عن طريق بيع ما يتبرع به المواطنون
من أدوات ليسوا بحاجة لها فيما يعرف بمحلات " الأدوات المستعملة" و لكن النظرة المجتمعية لهذه الفكرة سلبية و غير
مرحب بها لاعتبارات اجتماعية و لكن يجدر الإشارة إلى فوائد هذا النوع من المشاريع
و منها:
1-
زيادة نسبة المواد المعاد استخدامها بين المواطنين ( أثاث،
كتب، أدوات كهربائية).
2-
زيادة الدخل المالي لهذه المؤسسات مما يزيد من أنشطتها
الميدانية للمواطنين.
3-
تغيير بعض العادات السلوكية بين المواطنين و تشجيع الاندماج و
التعاون بين كافة أفراد المجتمع.
ثالثا: إعادة التدوير Recycle
أشارت دراسات إلى أن نسبة إعادة
التدوير في قطاع غزه 4.2 % لعام 2002 بمعدل 9 طن/يومياً يتم إعادة
تدويرها بمبادرة فردية لبعض الصناعات المحلية. ترجع النسبة الضئيلة هذه إلى عدة عوامل
منها:
أولاً: غياب الدعم الحكومي لمشاريع إعادة
التدوير.
ثانياً: عدم اهتمام عامة الشعب
لهذه المشاريع و تقدير القيمة الاقتصادية لها. ففي حقيقة الأمر، و نتيجة لزيادة
أسعار المواد الخام في الأسواق العالمية، فقد زادت أسعار بعض الأنواع من المخلفات
لتصل إلى أكثر من 100دولار/ طن (
فعلى سبيل المثال: سعر طن البلاستيك PET
250-300 دولار/طن، و سعر
الورق المقوى (كرتون) يتراوح بين 240-260
دولار/طن)
و من هنا تنبع ضرورة الاهتمام
بهذا النوع من المشاريع من أجل دفع العجلة الاقتصادية للقطاع. و من ناحية عملية
يمكن أن يتم البدء بهذه المشاريع بإدارة عليا من البلديات و لكن عن طريق انشاء عدد
من الشركات و خصخصتها من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية و البيئية في آن واحد.
في الختام و من خلال التحليل
السابق يتضح أن قضية إدارة النفايات الصلبة تتطلب خطوة مشتركة بين الدولة و الشعب عن طريق وضع أهداف
واضحة و محددة المعالم و من ثم العمل على النهوض بالوضع البيئي في قطاع غزة.